recent
احدث المشاركات

الوجيز في القرار الإداري – التدوينه الثالثة – معيار تمييز القرار الإداري


الوجيز في القرار الإداري – التدوينه الثالثة – معيار تمييز القرار الإداري

الوجيز في القرار الإداري – التدوينه الثالثة – معيار تمييز القرار الإداري




تحدثنا في التدوينه الأولى من هذا الشرح الوجيز للقرار الإداري عن موضوع تعريف القرار الإداري، اما في التدوينة الثانيه فتحدثنا عن تمييز القرار الإداري عن غيره من اعمال الدولة وسلطاتها الأخرى وسنستكمل في هذه التدوينة، ما توقفنا عنده في تدوينتنا الثانية حول تمييز القرار الإداري عن غيره من الاعمال من خلال البحث في المعايير التي قيلت في تحديد هذا التمييز، فنقول: 


   أعتمد الفقه والقضاء من أجل البحث عن معيار لتمييز العمل الإداري الصادر بصيغة القرار الإداري عن باقي الاعمال التي تصدر عن سلطات الدولة الأخرى على نوعين من المعايير، اولهما المعيار الشكلي او العضوي، وثانيهما المعيار الموضوعي او المادي. 


أولا: المعيار الشكلي او العضوي 


يتميز هذا المعيار بالبساطة والسهولة، إذ يمكن التمييز من خلاله بين أعمال الدولة المختلفة من خلال تحديد الجهة او العضو او المنظمة التي صدر عنها العمل وكذلك الشكل الخارجي الذي يتخذه العمل والإجراءات المتبعة لإصداره، وبالتالي فأن العمل يكون تشريعيا إذا صدر عن السلطة التشريعية، ويكون العمل قضائيا إذا صدر عن السلطة القضائية، وينطبق الامر نفسه على السلطة الإدارية اذ ان ما يصدر عنها يعتبر عملا إداريا باعتبارها السلطة الإدارية التابعة للسلطة التنفيذية. 


فالقرار الإداري حسب هذا المعيار هو القرار الصادر عن جهة ادارية تنفيذية في الدولة، وقد تكون هذه الجهة الإدارية التي أصدرت القرار موظف او مجموعة موظفين او جهات إدارية متعددة، وهذه القرارات هي وحدها التي يمكن للإفراد الطعن بصحتها امام القضاء الإداري، اما الاعمال الصادرة عن السلطة التشريعية او القضائية فلا يجوز الطعن بها وطلب الغائها من القاضي الإداري بدعوى تجاوز السلطة ، ويعد الفقيه كارية دي مالبيرغ صاحب هذا المعيار والمدافع عنه . 


لقد وجهت إلى هذا المعيار العديد من الانتقادات من أبرزها هي أنه لا يتناسب إلا مع الفصل المطلق بين السلطات وواقع العمل خلاف ذلك إذ أن هناك تداخلاً في الوظائف بين السلطات العامة ، فالسلطة التشريعية تصدر إلى جانب القواعد العامة المجردة ، أعمال لا تتصف بالعمومية والتجريد كقانون الميزانية ، بالمقابل تقوم السلطة التنفيذية بإصدار قواعد عامة مجردة هي القرارات الإدارية التنظيمية إلى جانب القرارات الإدارية الفردية ، وكذلك بالنسبة للسلطة القضائية فأنها قد تصدر قرارات ذات طبيعة إدارية وليست قضائية مثل الأوامر على العرائض ، وعليه فلا يوجد فصل مطلق بين السلطات وأنما هناك تداخل في الاختصاصات ، فالعمل الواحد من حيث المضمون -حسب هذا المعيار- سيصبح تشريعياً أولاً وتنفيذياً ثانياً وقضائياً ثالثاً ( وهذا الامر غير منطقي وغير مقبول). وقد قيل في الرد على هذا الانتقاد أن التداخل في الاختصاصات يؤكد ضرورة الأخذ بالمعيار الشكلي لأن اختلاف الجهة التي يصدر عنها العمل يؤدي إلى اختلاف الشكل والإجراءات التي تتبع في صدور التصرف وهذا يصبح المميز الوحيد والأساسي بين هذه الأعمال. 


ثانبا: المعيار الموضوعي او المادي: 


يأخذ أنصار المعيار الموضوعي وعلى رأسهم الفقيه الفرنسي (ليون دكي) ومدرسته الواقعية، على المعيار الشكلي اقتصاره على الشكليات فقط، فهو لا يتفحص مضمون العمل لكي يعرف طبيعته وأنما ينظر إلى من أصدره ، والإجراءات التي أتبعت في إصدارة ، وما أسبغت عليه الجهة المصدرة من تسمية ، لذلك فقد جاءت هذه المدرسة بمعيار لتمييز أعمال الدولة يتقاطع مع المعيار الشكلي . ومضمونة الاعتماد على طبيعة العمل وموضوعه بصرف النظر عن الجهة التي أصدرته او إجراءات إصداره، فاذا تمثل العمل في قاعدة عامة مجردة فأنشأ مركزا قانونيا عاما اعتبر عملا تشريعيا اما اذا تجسد في قرار فردي يخص فردا او افرادا معينين بذواتهم فأنشأ مركزا قانونيا خاصا اعتبر عملا إداريا، كما ان العمل قضائيا وفقا لهذا المعيار اذا تضمن ادعاء بمخالفة القانون وحل قانوني للمسألة المطروحة بواسطة قرار يصدر عن القاضي ، في حين يكون العمل إداريا اذا صدر من سلطة تتمتع باختصاص تقديري وليس من سلطة تتمتع باختصاص مقيد كما في احكام القضاء ، وان يصدر بشكل تلقائي وليس بناء على طلب من الافراد وان يكون الغرض من العمل اشباع حاجات عامة . 


هذا وقد اختلفت التشريعات واحكام القضاء وتوجهات الفقه في الاخذ بأحد المعيارين دون الاخر ، ولكن وعلى وجه العموم، فان المشرع الفرنسي والمصري واحكام القضاء فيهما يعتمدان في الغالب على المعيار الشكلي ويقترب موقف المشرع العراقي والقضاء فيه من الاخذ بهذا المعيار ([1]). 

                          المستشار ماجد شناطي نعمه 


______________________________________________________________________

[1] - لمزيد من التفاصيل حول الموضوع وتفرعاته الكثيرة يمكن الرجوع الى المصادر التالية : 


· د. سليمان محمد الطماوي ، النظرية العامة للقرارات الإدارية ، دراسة مقارنة ، الطبعة الرابعة ، ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1976. 


· د. شاب توما منصور ، القانون الاداري ، الكتاب الثاني ، الطبعة الأولى ، مطبعة جريدة العراق ، بغداد ، 1980 . 


· د. علي محمد بدير ، د. عصام عبد الوهاب البرزنجي ، د. مهدي ياسين السلامي ، مبادئ وأحكام القانون الإداري ، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر ، بغداد ، 1993 . 


· د. ماهر صالح علاوي ، القرار الإداري ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1991 . 
author-img
المستشار ماجد شناطي نعمه

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent