المستشار القانوني المساعد
ماجد شناطي نعمه – ماجستير قانون عام
أنهى البرلمان العراقي سابقا القراءة الخاصة بمشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا تلك المحكمة التي يعتبر أقرار القانون الخاص بها امرأ مهما جدا ويمثل في حالة انجازه، خطوة كبيرة في أطار بناء دولة المؤسسات وذلك لما لهذه المحكمة من اهمية في تطبيق الدستور بصورة صحيحة ووضع أحكامه موضع التنفيذ بعيدا عن الأهواء والمحسوبية الحزبية ، كما يعد إقرار قانونها خطوة لا بد منها للسير في العملية الانتخابية المبكرة كونها هي الجهة الوحيدة المختصة وفق القانون بالتصديق على نتائج الانتخابات ، الامر الذي يجعل موضوع إقرار القانون الخاص بها ضرورة قانونية ووطنية قصوى خصوصا مع تعطل انعقاد المحكمة الاتحادية الحالية المشكلة بموجب القانون رقم (30) لسنة 2005 بسبب عدم اكتمال نصاب انعقادها وذلك بـعد أن ألـغت المـحكمة الاتـحاديـة صـلاحـية مجـلس القضاء الأعلى بــترشــيح قــضاة المــحكمة الــواردة بــالمــادة ٣ مــن قــانــونــها ، ومــع غــياب نــص قــانــونــي صــريــح يــعالــج مــسألــة تــعيين قـــضاة المـــحكمة ســـواء الأصـــليين أو الاحـــتياط ، أصـــبحنا أمــــام فــــراغ دســــتوري وقــــانــــونــــي ولــــن يــــملأ هــــذا الــــفراغ
الا بقيام مجــلس الــنواب بتحــمل مسؤولــيته الـتاريـخية والـتعجيل بتشـريـع قـانـون المـحكمة المـنصوص عــليه فــي الــدســتور.
ونحن وفي الوقت الذي نقدر فيه الجهود المخلصة التي بذلت في أعداد مشروع قانون المحكمة ، ومع ايماننا بان نصوص مشروع القانون الخاص بالمحكمة والمنشور على موقع مجلس النواب قابل للتعديل او التبديل فأننا نسجل – ومن باب المساهمة في تقويمه وتشجيع الجميع على الدفع باتجاه إقرار هذا القانون - بعض الملاحظات التي وجدنا من الضروري الاشارة لها في هذا المجال :
فنقول:
أولا : نصت المادة ( 1) من مشروع القانون على ما يلي :
(المحكمة الاتحادية العليا هي الهيئة القضائية العليا في العراق وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري ، وتشمل اختصاصاتها انحاء العراق كافة بما فيها الأقاليم ، ويكون مقرها في بغداد وعند الضرورة لها ان تعقد جلساتها القضائية في أي إقليم او محافظة في العراق ، ويكون رئبسها رئيسا للسلطة القضائية الاتحادية ).
ولنا على النص الملاحظات التالية:
اولا : اشار مشروع القانون في المادة الاولى الى ان رئيس المحكمة يعد رئيسا للسلطة القضائية وهذا القول لا يتوافق مع احكام المادة 89 من الدستور التي اشارت الى انه (تتكون السلطة القضائية الاتحادية، من مجلس القضاء الاعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الاشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الاخرى التي تنظم وفقاً للقانون ) فالمحكمة الاتحادية جزء من السلطة القضائية الاتحادية وليست حاكمة على باقي الجهات لذا فالقول في المادة الاولى من مشروع القانون ان رئيسها يكون رئيسا للسلطة القضائية الاتحادية ينطوي على ما يلي :
1- انه قول لا سند له من الدستور الا اذ اعتبرناه خيارا تشريعيا من اجل توحيد جهة القرار في السلطة الاتحادية.
2- أن اعتبار رئيس المحكمة رئيسا للسلطة القضائية يعني زيادة في أعباء ومسؤوليات الرئيس قد لا يتمكن معها من تنفيذ المهام المكلف بها ويقلل من فعاليته في أدارة عمله كرئيس للسلطة القضائية ناهيك عن المحكمة الاتحادية .
3- ان تقلد رئيس المحكمة مسئوليات المحكمة لوحدها يعني التفرغ للقضاء الدستوري والرقابة الفاعلة، مما يعني أن من الأفضل ان لا يكون رئيس المحكمة الاتحادية رئيسا للسلطة القضائية.
ثانيا: نصت المادة ( 3 / أولا ) من مشروع القانون على ما يلي :
(ترشح المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى ومجالس القضاء في الأقاليم في اجتماع مشترك، رئيس المحكمة الاتحادية العليا ونائبه وقضاتها، من بين قضاة الصنف الأول ممن لا تقل خدمته الفعلية في القضاء عن (15) خمس عشرة سنة على ان يتم ترشيح ثلاثة مرشحين لكل منصب)
ولنا على النص الملاحظة التالية:
ان عبارة الاجتماع المشترك الواردة في سياق النص هل تعني اجتماع المحكمة الاتحادية مع مجلس القضاء ومجالس القضاء في الأقاليم واختيار ثلاثة أعضاء لكل منصب بمعنى ( ثلاثة رؤساء وثلاثة نواب وخمسة عشر قاضيا ) وان كان الامر كذلك فمن يدير الاجتماع المشترك وماهي الية الترشيح وسياقاته .
ام ان المقصود بالاجتماع المشترك فقط فيما يتعلق بمجالس القضاء في الأقاليم وان كل جهة ترشح من جهتها من تراه اهلا لذلك، النص القانوني بحاجة للإيضاح الأهمية القانون وما يترتب عليه من نتائج.
ثالثا: نصت المادة ( 3 / ثانيا/ ج ) من مشروع القانون على ما يلي:
( يشترط ان يكون رئيس المحكمة ونائبه واعضاؤها من القضاة والفقهاء والخبراء من العراقيين ويشترط في رئيس المحكمة ونائبه ان لا يحملا جنسية أخرى . ويشترط أيضا في جميع أعضاء المحكمة ان يكونوا ممن يتمتعون بالكفاءة والسمعة الحسنة ولم يسبق الحكم عليهم بجريمة مخلة بالشرف وان لا يكونوا مشمولين بقانون الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة رقم (10) لسنة 2008 او أي قانون اخر يحل محله) .
ولنا على النص الملاحظة التالية:
ان النص اشترط فقط في رئيس المحكمة ونائبة ان لا يحملا أي جنسية أخرى في حين لم يشترط هذا الامر في باقي أعضاء المحكمة، ونعتقد ان عدم سريان هذا الشرط على باقي أعضاء المحكمة هو امر غير مقبول، لان المحكمة الاتحادية وقضاتها يمارسون صلاحيات هامة جدا تتعلق بمصير البلد وهم وبحسب مشروع القانون المادة (10) أولا (ب) بدرجة وزير ومن كان بهذه الدرجة يجب ان لا يكون حاملا لجنسية أخرى، ويجوز عند الضرورة النص على الجواز بذلك ولكن بشرط التخلي عن الجنسية قبل صدور المرسوم بالتعيين على ملاك المحكمة. كما لا يفوتنا ان نشير الى سقوط كلمة (العليا ) في تسمية (قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة) .
رابعا: نصت المادة (3 / البند ثالثا ) من مشروع القانون على ما يلي:
( تعرض الترشيحات المنصوص عليها في (أولا) و(ثانيا) من هذه المادة على لجنة مكونة من رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه ورئيس مجلس النواب ونائبيه ورئيس السلطة القضائية الاتحادية او من يمثلها بشرط ان لا يكون من المرشحين لعضوية هذه المحكمة في اجتماع مشترك لاختيار رئيس المحكمة الاتحادية العليا ونائبه وقضاتها وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون من بين المرشحين وفقا للعدد المحدد في هذا القانون . ويتولى رئيس الجمهورية اصدار المرسوم الجمهوري بتعيينهم )
ولنا على النص الملاحظات التالية:
تحدثت البند ثالثا من المادة الثالثة من مشروع القانون عن موضوع اختيار أعضاء المحكمة من خلال تشكيل لجنة مكونة من رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه ورئيس مجلس النواب ونائبيه ورئيس السلطة القضائية او من يمثلها لاختيار الاعضاء في اجتماع مشترك والملاحظ هنا مايلي
1- لم يحدد النص القانوني من يدير الاجتماع المشترك .
2-الملاحظ ان البند رجح صوت السلطة التنفيذية الممثل بصوت رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه في مواجهة باقي الأصوات الممثلة بصوت واحد للسلطة القضائية وثلاث أصوات للسلطة التشريعية.
3- لم توضح الفقرة آلية الاختيار هل بالتصويت ام بالتوافق ؟ ثم ماحكم تساوي الاصوات ؟ ثم هل يصوت على الأعضاء فرادى ام على شكل مجموعة ؟
4– أشارت الفقرة الى ان رئيس الجمهورية يتولى اصدار مرسوم التعيين بعد الاختيار ، ولكن ماحكم عدم قيام الرئيس باصدار المرسوم ؟ ، اليس من الافضل ان يصار الى تحديد مدة بعد مضييها ، يعتبر الاختيار الذي تم باتا ، هذا في حالة بقاء هذه الفقرة على حالها .
5- ان المشرع الدستوري في محكمة ادنى من هذه المحكمة وهي (محكمة التمييز) اوجب في المادة 61 الفقرة خامسا من الدستور موافقة مجلس النواب على تعيين رئيس واعضاء هذه المحكمة، فهل من المعقول ان نترك اختيار أعضاء هذا المحكمة (الاتحادية العليا) وهي اعلى محكمة وتمارس اختصاصات هامة جدا ورئيسها رئيس السلطة القضائية (كما يذهب المشروع) لموافقة اربعة اشخاص فقط؟.
خامسا : نصت المادة (5) من مشروع القانون اختصاصات المحكمة وهي عين الاختصاصات التي ذكرها الدستور لكن يلاحظ ان ( البند ثامنا أ من المادة ) أشار الى ما يلي :
(الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم غير المنتظمة في إقليم (والنص بصياغته الحالية (غير مكتمل) اذ سقطت منه عبارة ( والمحافظات ) بعد عبارة للأقاليم كونها موجودة في النص الدستوري (المادة 93 الفقرة ثامنا أ )).
سادسا : نصت المادة (9 ) من مشروع القانون على ما يلي:
(رئيس المحكمة ونائبه واعضاؤها غير قابلين للعزل الا في الحالة الاتية: اذا حُكم على احدهم بجريمة مخلة بالشرف واكتسب الحكم درجة البتات فيعتبر معزولاً عن الخدمة في هذه الحالة )
ولنا على النص الملاحظات التالية:
1- ان النص المقترح يعني ، ان عضو المحكمة حتى لو ادين بحكم بإحدى الجرائم المخلة بالشرف فانه على الرغم من ذلك سيحصل على راتبه التقاعدي ، وذلك لان قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 المعدل أشار في ( المادة 13 ) منه على انه ( لا يمنع عزل الموظف او فصله او تركه الخدمة او الاستقالة او الاقصاء من الوظيفة او فسخ العقد او الاستغناء عن خدماته من استحقاقه الحقوق التقاعدية، ويستحق 75% من الحد الأدنى للراتب التقاعدي ولا يصرف الراتب التقاعدي الا إذا كان قد أكمل سن (45) خمسة واربعون من عمره ولديه خدمة تقاعدية لا تقل عن (15) خمسة عشر سنة، وفي كل الاحوال لا يصرف الراتب التقاعدي عن المدة السابقة لتأريخ اكماله السن المذكور) ولا نعلم ماهي الحكمة من صرف الراتب التقاعدي للعضو المعزول في هذه الحالة اليس في صرفها له مكافئة على فعله للجريمة المخلة بالشرف ؟ ثم اليس حريا بمن يكون في هذا المقام ان يتورع من ارتكاب اي فعل فاحش حتى يكون محلا لثقة الاخرين.
2- المادة تنطوي على مفارقة عجيبة، فالموظف البسيط يعاقب بالعزل عند ارتكابه فعلا خطيرا او ارتكابه جناية ناشئة عن وظيفته او بصفته الرسمية وفقا لما اشار له قانون انضباط موظفي الدولة النافذ رقم 14 لسنة 1991 المعدل في (المادة 8 البند ثامنا) منه في حين ان عضو المحكمة الاتحادية العليا لا يعزل الا عند ارتكابه لجريمة مخلة بالشرف.
3- السير مع النص يعني بمفهوم المخالفة، ان ارتكاب عضو المحكمة لجريمة غير مخلة بالشرف فان هذه الجريمة لا تؤثر على وضعه الوظيفي في المحكمة ، اذ يستمر في عمله، ولكن ما العمل لو حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية كالحبس او السجن، فهل سنعيده للمحكمة بعد انتهاء محكوميته؟ امر سكت عنه مشروع القانون.
سابعا: نصت المادة (13 ) من مشروع القانون على ما يلي:
(الاحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة باتة وملزمة للسلطات كافة ويلزم نشرها في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوما إذا كانت متضمنه الحكم بعدم دستورية نص تشريعي ويعتبر ذلك النص لاغيا من تاريخ نشر الحكم، الا إذا نص الحكم على خلاف ذلك)
ولنا على النص الملاحظات التالية:
1-ان مصطلح الاحكام والقرارات مصطلحان متداخلان لذا يقتضى تحديد متى نكون امام قرار ومتى نكون امام حكم ، لذا فالأجدر استخدام عبارات دقيقة للتعبير عن ما يصدر عن المحكمة او توصيفه توصيفا دقيقا خصوصا وان المادة (94) من الدستور اشارت الى ان المحكمة تصدر ( قرارات ) .
2 - المادة اشارت الى وجوب نشر الاحكام والقرارات الصادرة بعدم دستورية نص تشريعي وذلك خلال خمسة عشر يوما وان ذلك النص يعتبر لاغيا من تاريخ نشر الحكم الا اذا نص الحكم على خلاف ذلك ، وهذا التوجه يثير اشكالات عديدة ، فقد لا ينشر الحكم الا بعد فترة ، مما يعني ان النص المخالف للدستور سيبقى يمتلك القوة القانونية الى حين النشر بعدم الدستورية ، ثم متى ينص على خلاف قاعدة نشر القرار و ماهي موارد هذا الامر وضوابطه ؟ ثم ان النص أشار لنشر الحكم فقط دون القرارات والمادة تتحدث عن ( الاحكام والقرارات ) والأفضل ان يصار الى الإشارة الى نشر كافة ما يصدر عن المحكمة واعتباره نافذا من تاريخ صدوره عن المحكمة ولا عبرة بتاريخ النشر في الجريد الرسمية ، وذلك للقضاء على المماطلة والتسويف وتأخير عمل المحكمة وما يصدر عنها من قرارات واحكام واراء .
ثامنا : نصت المادة (15 ) من مشروع القانون على ما يلي:
( لرئيس الجمهورية ولرئيس مجلس الوزراء ولرئيس مجلس النواب ولرئيس مجلس الاتحاد ورؤساء الأقاليم والوزراء والمحافظين في المحافظات غير المنتظمة في إقليم الطلب من المحكمة الاتحادية العليا تفسير نصوص الدستور )
ولنا على النص الملاحظة التالية:
ان المادة (15) من مشروع القانون حددت الجهات التي لها الحق في طلب تفسير الدستور ، والملاحظ هنا ان هذا النص اغفل جهات متعددة مثلا (1- رئيس مجلس القضاء الأعلى – على فرض بقاء رئاسة المحكمة الاتحادية مستقلة عن رئاسة مجلس القضاء الأعلى – 2- رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة والذي هو بمثابة وزير ، 3- اعضاء مجلس النواب ولا باس باشتراط تقديم الطلب من عدد محدد منهم ، او من أي لجنة من لجان مجلس النواب ) .
وختاما واذ نسجل هذه الملاحظات حول مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا المنشور على موقع مجلس النواب، فأننا نتمنى على المجلس ان يبادر وبسرعة الى وضع هذا المشروع او أي مشروع اخر لقانون المحكمة موضع التنفيذ وذلك من اجل بناء اهم مؤسسة من المؤسسات الدستورية، والتي ان بنيت على أسس متينة، فأنها ستكون خير معين لترسيخ احكام الدستور والقانون الامر الذي سيسهم في بناء الدولة ومؤسساتها على اسس قانونية واضحة وسليمة.
المستشار القانوني المساعد
ماجد شناطي نعمه – ماجستير قانون عام
للدخول الى مواضيع ذات صلة اضغط هنــــــــــا
للدخول الى رابط الدستور العراقي اضغط هنـــــــــا
للدخول الى قانون المحكمة الاتحادية العليا اضغط هنـــــــــا