ذريعة عدم رجعية القرارات الادارية وأثرها في الاستحقاقات المالية للترفيع /التدوينه الثانية
في تدوينه سابقة لنا بعنوان ( ذريعة عدم رجعية القرارات الادارية وأثرها في الاستحقاقات المالية للترفيع )
طرحنا سؤال قانوني تمثل بما يلي (هل ان وزارة المالية محقة بعدم ترفيع الموظف بسبب
عدم توفر الدرجة الوظيفة بتاريخ استحقاقه للترفيع ، وتبعا لذلك عدم صرف الاستحقاق
المالي للموظف الا من تاريخ توفر الدرجة وصدور الامر بالترفيع ، ثم ما المقصود بعدم رجعية القرارات الإدارية الذي
تتعكز عليه الوزارة ، وهل بالإمكان ايجاد مخرج قانوني من هذه الحجة يحقق انصافا للموظف) .... هذا ما سنحاول الإجابة
عليه ... في هذه التدوينه .
أولا : المقصود بعدم رجعية القرارات الإدارية :
عدم رجعية القرارات الإدارية تعني ( ان القرارات الإدارية
التي تصدرها الإدارة ، تنتج اثارها بعد صدورها ولا تنتج اثارا قبل ذلك ، أي ان
القرار الإداري لا يجوز ان يرجع باثاره الى الماضي ، فآثار القرارات الإدارية تسري
على المستقبل، ولا تسري بأثر رجعي على الماضي )
ثانيا: مبررات عدم رجعية القرارات الإدارية:
يقوم مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية على عدة اعتبارات
تتمثل في:
1. احترام الحقوق المكتسبة: فإذا اكتسب الأفراد حقاً في
ظل نظام قانوني معين أو رتب لهم قرار إداري مركزاً قانونياً معيناً، فأنه لا يجوز
المساس بهذا المركز إلا بنص خاص ويسرى التغيير أو التعديل في هذا المركز بأثر حال
ومباشر من تاريخ العمل به وليس بأثر رجعي .
2. استقرار المعاملات بين الأفراد: المصلحة العامة تقتضي
ألا يفقد الأفراد الثقة والاطمئنان على استقرار حقوقهم ومراكزهم الذاتية التي تمت
نتيجة لتطبيق أوضاع القانونية سابقة.
3. احترام قواعد الاختصاص: تقوم قاعدة عدم رجعية
القرارات لإدارية على ضرورة اعتداء مصدر القرار على اختصاص سلفه.
ثالثا: الاستثناء من عدم رجعية القرارات الإدارية:
أن قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية على الماضي لا
تسري على إطلاقها فقد بدأ القضاء الإداري يخفف من حدتها فظهرت بعض الاستثناءات
التي يمكن ردها إلى ما يلي :
1. إباحة الرجعية بنص القانون: اذ يجوز للمشرع أن يخول
الإدارة بنص صريح أن تصدر قرارات معينة بأثر رجعي على اعتبار أن المشرع يمثل
المصلحة العامة التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها .
2. إباحة الرجعية في تنفيذ الأحكام: الحكم القضائي
الصادر بإلغاء قرار إداري يؤدي إلى إعدام هذا القرار بالنسبة للمستقبل والماضي،
وحتى تنفذ الإدارة حكم الإلغاء لابد لها من إصدار قرارات متضمنة بالضرورة آثاراً رجعية،
كما لو حكم القضاء بإلغاء قرار الإدارة بفصل موظف فإن الإدارة تلتزم بإعادته إلى
وظيفته السابقة مع منحه الامتيازات والحقوق التي فاته التمتع بها في فترة انقطاعه
عن الوظيفة.
3. رجعية القرارات الإدارية الساحبة: درج القضاء على أن
قرار الإدارة بسحب القرارات الإدارية يتم بأثر رجعي نظراً لإعدامه القرار المسحوب
من تاريخ صدروه، فالإدارة تملك حق سحب قراراتها التنظيمية في كل وقت سواء كانت
مشروعة أو غير مشروعة، وكذلك يجوز لها سحب قراراتها الفردية الغير مشروعة والمرتبة
لحقوق ذاتية خلال مدة الطعن بالإلغاء.
4. رجعية القرارات المؤكدة والمفسرة: إذا صدر قرار بقصد
تأكيد أو تفسير قرار سابق، فإن القرار المؤكد أو المفسر يسرى حكمه من تاريخ تطبيق
القرار الأول لأنه لا يضيف أثراً جديداً له بل يقتصر على تأكيده أو تفسيره.
5. رجعية القرارات الإدارية لمقتضيات المرافق العامة:
استقر القضاء الإداري على عدم تطبيق قاعدة رجعية القرارات الإدارية كلما تعارض
تطبيقها مع مقتضيات سير المرافق العامة .
نخلص من العرض أعلاه الى ما يلي:
ان القصد الأهم من
إقرار عدم رجعية القرارات الإدارية يتمثل في حماية الافراد في مواجهة الإدارة وذلك
لضمان عدم سلبهم الحقوق التي ترتبت لهم، وبالرجوع لموقف وزارة المالية نجد انه
يقف (بالضد من الفهم الصحيح لهذه المبدأ اذ جعلته الوزارة قيدا ضد مصلحة الموظف وليس لمصلحته) فهي لا تمنحه
ترفيعه بتاريخ الاستحقاق عند عدم توفر الدرجة الوظيفية التي هي ملزمة بتوفيرها، ثم
وبعد توفرها تقوم بمنحه الترفيع من تاريخ صدور الامر بالترفيع وليس من تاريخ
الاستحقاق للترفيع، متحججة بعدم إمكانية اصدار قرار بالترفيع من تاريخ الاستحقاق ،
وذلك ( لعدم رجعية القرار الإداري للماضي ) ، وهذا الفهم من الوزارة لا يقوم على أي اعتبار قام عليه مبدأ عدم رجعية القرارات
الإدارية ، اذ ليس في قرار الوزارة ان (أصدرته باستحقاق الترفيع من تاريخ
الاستحقاق) اي اعتداء على الحقوق المكتسبة بل هو إعادة لتلك الحقوق وتأكيد لها ،
كما ان فيه انصاف للموظف المستحق للترفيع ، كما انه لا يؤثر على استقرار المعاملات ، ولا
يمكن ان نتصور فيه اعتداء على قواعد الاختصاص لأنه يمثل تطبيق منصف وعادل لحق يجب
منحه للموظف المستحق للترفيع .
وبهذا الصدد نقترح لمعالجة الموضوع ما يلي :
أولا: التدخل التشريعي ومعالجة هذا الموضوع من خلال جعل
الترفيع من تاريخ الاستحقاق للترفيع للموظف وعدم ربطه بتحقق وجود الدرجة الوظيفية ،
لان القول بذلك ، معناه ان الموظف يتحمل تقصير الإدارة المتمثل بعدم توفير الدرجة
لمستحقها بتاريخ استحقاق الترفيع ، وهو امر خارج عن ارادته .
ثانيا: بإمكان وزارة المالية اصدار القرار المتضمن ترفيع
الموظف وباثر رجعي لان هذا القرار ياتي لمصلحة الموظف وليس ضده ، وبهذا الاتجاه
هناك جانب من الفقه القانوني نؤيده وهو يرى بحق انه ( في القرارات الفردية : 1-
يجوز للإدارة أن تضمن القرار الفردي اثر رجعي إذ كان من شأن الرجعية أن ترتب حقاً
للأفراد. 2- وعكس ذلك يمتنع على الإدارة
أن تضمن قرارها الفردي أثراً رجعياً إذ كان يرتب على الأفراد واجبات.)
نتمنى ان تجد ملاحظاتنا
هذه اذانا صاغية لتكون طريقا لإصلاح بعض النصوص القانونية او المواقف الإدارية غير
المبررة قانونا .
المستشار ماجد
شناطي نعمه